فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (56):

{قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)}
{قَالَ} أي القائل لقرينه {تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} أي لتهلكني، وفي قراءة عبد الله {لتغوين}، و{حَمِيمٍ ءانٍ} مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة. وفي البحر أن القسم فيه التعجب من سلامته منه إذ كان قرينه قارب أن يرديه.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)}
{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبّى} علي وهي التوفيق والعصمة {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} للعذاب كما أحضرته أنت وأضرابك.

.تفسير الآية رقم (58):

{أَفَمَا نَحْنُ يِّتِينَ (58)}
{أَفَمَا نَحْنُ يّتِينَ} إلخ رجوع إلى محاورة جلسائه بعد إتمام الكلام مع قرينه تبجحًا وابتهاجًا بما أتاح الله تعالى له من الفضل العظيم والنعيم المقيم وتعريضًا للقرين بالتوبيخ، وجوز أن يكون من كلام المتسائلين جميعًا وأن يكون من تتمة كلام القائل يسمع قرينه على جهة التوبيخ له، واختير الأول، والهمزة للتقرير وفيها معنى التعجب والفاء للعطف على مقدر يقتضيه نظم الكلام على ما ذهب إليه الزمخشري ومتبعوه أي أنحن مخلدون فما نحن يتين أي ممن شأنه الموت كما يؤذن به الصفة المشبهة.
وقرئ {ائتين}.

.تفسير الآية رقم (59):

{إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ عَذَّبِينَ (59)}
{يّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الاولى} التي كانت في الدنيا وهي متناولة عند أهل السنة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال لعدم الاعتداد بالحياة فيه لكونها غير تامة ولا قارة وزمانها قليل جدًا، والاستثناء مفرغ من مصدر مقدر كأنه قيل أفما نحن يتين موتة إلا موتتنا الأولى، وجوز أن يكون منقطعًا أي لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا وعلمهم بأنهم لا يموتون ناشئ من إخبار أنبيائهم لهم في الدنيا وإعلامهم إياهم بأن أهل الجنة لا يموتون أو من قول الملائكة عليهم السلام لهم حين دخول الجنةْ {طبتم فادخلوها خالدين} [الزمر: 73] وقولهم: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ءامِنِينَ} [الحجر: 46] وقيل إن أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت فحينئذٍ يعلمونه فيقولون ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى واغتباطًا بها، ولا يخفى أن كون هذا القول المحكي هنا عند علمهم بعدم الموت من ذبحه بعيد في هذا المقام والظاهر أن هذا بعد الاطلاع والكلام مع القرين {وَمَا نَحْنُ عَذَّبِينَ} كأصحاب النار، والمراد استمرار النفي وتأكيده وكذا فيما تقدم واستمرار هذا النفي نعمة جليلة وهو متضمن نفي زوال نعيمهم المحكي في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 41] الآيات فإن زوال النعيم نوع من العذاب بل هو من أعظم أنواعه بل تصور الزوال عذاب أيضًا لا يلذ معه عيش، ولذا قيل:
إذا شئت أن تحيا حياة هنية ** فلا تتخذ شيئًا تخاف له فقدا

وكذا يتضمن نفي الهرم واختلال القوي الذي يوهمه نفي الموت فإن ذلك نوع من العذاب أيضًا، وأنه إنما اختير التعرض لاستمرار نفي العذاب دون إثبات استمرار النعيم لأن نفي العذاب أسرع خطورًا ببال من لم يعذب عند مشاهدة من يعذب، وقيل إن ذاك لأن درء الضرر أهم من جلب المنفعة.

.تفسير الآية رقم (60):

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)}
{إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم} الظاهر أن الإشارة إلى ما أخبروا به من استمرار نفي الموت واستمرار نفي التعذيب عنهم، ويجوز أن تكون إشارة إلى ما هم فيه من النعيم مع استمرار النفيين فإذا كان الكلام من تتمة كلام القائل {أَفَمَا نَحْنُ يّتِينَ} [الصافات: 58] إلخ فهو متضمن إشارة ذلك القائل إلى ظهور النعيم ويكون ترك التعرض للتصريح به للاستغناء بذلك الظهور.
وجوز أن يكون هذا كلامه تعالى قاله سبحانه تقريرًا لقول ذلك القائل وتصديقًا له مخاطبًا جل وعلا به حبيبه عليه الصلاة والسلام وأمته والتأكيد للاعتناء بشأن الخبر. وقرئ {لَهُوَ الرزق العظيم} وهو ما رزقوه من السعادة العظمى.

.تفسير الآية رقم (61):

{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}
{لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون} أي لنيل مثل هذا الأمر الجليل ينبغي أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية السريعة الانصرام المشوبة بفنون الآلام فتقديم الجار والمجرور للحصر وهذا إن كان إشارة إلى مشخص من حيث تشخصه فمثل غير مقحمة وإن كان إشارة إلى الجنس فهي مقحمة كما في مثلك لا يبخل والكلام يحتمل أن يكون من تتمة كلام القائل ولا يعكر عليه أن الآخرة ليست بدار عمل إذ ليس المراد الأمر بالعمل فيها ويحتمل أن يكون من كلامه عز وجل. وأما قوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (62):

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)}
{أذلك خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} فمن كلامه جل وعلا عند الأكثرين وهو متعلق بقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 62] والقصة بينهما ذكرت بطريق الاستطراد فالإشارة إلى الرزق المعلوم.
وزعم بعضهم جواز كونه من كلام القائل السابق وما هو من كلامه عز وجل قطعًا هو ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وأصل النزل الفضل والريع في الطعام ويستعمل في الحاصل من الشيء ومنه العسل ليس من إنزال الأرض أي مما يحصل منها، وقول الشافعي لا يجب في العسل العشر لأنه نزل طائر ويقال لما يعد للنازل من الرزق.
والزقوم اسم شجرة صغيرة الورق مرة كريهة الرائحة ذات لبن إذا أصاب جسد إنسان تورم تكون في تهامة وفي البلاد المجدبة المجاورة للصحراء سميت بها الشجرة الموصوفة بما في الآية، وكلا المعنيين للنزل محتمل هنا بيد أنه يتعين على الأول انتصابه على التمييز أي أذلك الرزق المعلوم الذي حاصله اللذة والسرور خير نزلًا وحاصلًا أم شجرة الزقوم التي حاصلها الألم والغم، ومعنى التفاضل بين النزلين التوبيخ والتهكم وهو أسلوب كثير الورود في القرآن، والحمل على المشاكلة جائز، وعلى الثاني الظاهر انتصابه على الحال، والمعنى أن الرزق المعلوم نزل أهل الجنة وأهل النار نزلهم شجرة الزقوم فأيهما خير حال كونه نزلًا، وفيه ما مر من التهكم.
والحمل على التمييز لا مانع منه لفظًا كما في نحوهم أكفاهم ناصرًا ولكن المعنى على الحال أسد لأن المعنى المفاضلة بين تلك الفواكه وهذا الطعام في هذه الحال لا التفاضل بينهما في الوصف وأن ذلك في النزلية أدخل من الآخر فافهم.

.تفسير الآية رقم (63):

{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)}
{إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} محنة وعذابًا لهم في الآخرة وابتلاء في الدنيا فإنهم سمعوا أنها في النار قالوا كيف يمكن ذلك والنار تحرق الشجر وكذا قال أبو جهل ثم قال استخفافًا بأمرها لا إنكارًا للمدلول اللغوي: والله ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد فتزقموا ولم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار ويتلذذ بها أقدر على خلق الشجر في النار وحفظه من الإحراق فالنار لا تحرق إلا بإذنه أو أن الإحراق عندها لا بها.

.تفسير الآية رقم (64):

{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)}
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الجحيم} منبتها في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها. وقرئ {نابتة} في أصل الجحيم.

.تفسير الآية رقم (65):

{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)}
{مِن طَلْعِهَا} أي حملها، وأصله طلع النخل وهو أول ما يبدو وقبل أن تخرج شماريخه أبيض غض مستطيل كاللوز سمي به حمل هذه الشجرة إما لأنه يشابهه في الشكل أو الطلوع ولعله الأولى لمكان التشبيه بعد فيكون استعارة تصريحية أو لاستعماله عنى ما يطلع مطلقًا فيكون كالمرسل للأنف فهو مجاز مرسل.
{كَأَنَّهُ هَمَزَاتِ الشياطين} أي في تناهي الكراهة وقبح المنظر والعرب تشبه القبيح الصورة بالشيطان فيقولون كأنه وجه شيطان أو رأس شيطان وإن لم يروه لما أنه مستقبح جدًا في طباعهم لاعتقادهم أنه شر محض لا يخلطه خير فيرتسم في خيالهم بأقبح صورة، ومن ذلك قول امرئ القيس:
أتقتلني والمشرفي مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

فشبه بأنياب الأغوال وهي نوع من الشياطين ولم يرها لما ارتسم في خياله، وعلى عكس هذا تشبيههم الصورة الحسنة بالملك وذلك أنهم اعتقدوا فيه أنه خير محض لا شرفيه فارتسم في خيالهم بأحسن صورة، وعليه قوله تعالى: {مَا هذا بَشَرًا إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] وبهذا يرد على بعض الملاحدة حيث طعن في هذا التشبيه بأنه تشبيه بما لا يعرف، وحاصله أنه لا يشترط أن يكون معروفًا في الخارج بل يكفي كونه مركوزًا في الذهن والخيال.
وحمل التشبيه في الآية على ما ذكر هو المروي عن ابن عباس. ومحمد بن كعب القرظي. وغيرهما، وزعم الجبائي أن الشياطين حين يدخلون النار تشوه صورهم جدًا وتستبشع أعضاؤهم فالمراد كأنه رؤوس الشياطين الذين في النار، وفيه أن التشبيه عليه أيضًا غير معروف في الخارج عند النزول، وقيل: رؤوس الشياطين شجرة معروفة تكون بناحية اليمن منكرة الصورة يقال لها الاستن وإياها عنى النابغة بقوله:
تحيد عن استن سود أسافله ** مثل الإماء الغوادي تحمل الحزما

قال الأصمعي: ويقال لها الصوم وأنشد:
موكل بشدوف الصوم يرقبه ** من المغارب مهضوم الحشا زرم

وقيل: الشياطين جنس من الحيات ذوات أعراف، وأنشد الفراء:
عجيز تحلف حين أحلف ** كمثل شيطان الحماط أعرف

أي له عرف، وأنشد المبرد:
وفي البقل إن لم يدفع الله شره ** شياطين يعدو بعضهن على بعض

.تفسير الآية رقم (66):

{فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)}
{فَإِنَّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا} تفريع على جعلها فتنة أي محنة وعذابًا للظالمين، وضمير المؤنث للشجرة، ومن ابتدائية أو تبعيضية وهناك مضاف مقدر أي من طلعها، وقيل: من تبعيضية والضمير للطلع وأنث لإضافته إلى المؤنث أو لتأويله بالثمرة أو للشجرة على التجوز، ولا يخلو كل عن بعد ما {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} لغلبة الجوع وإن كرهوها أو للقسر على أكلها.

.تفسير الآية رقم (67):

{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)}
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} أي على الشجرة التي ملؤا منها بطونهم {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} أي لشرابًا مموجًا اء شديد الحرارة وهذا الشراب هو الغساق أي ما يقطر من جراح أهل النار وجلودهم، وقيل: هذا هو الصديد وأما الغساق فعين في النار تسيل إليها سموم الحيات والعقارب أو دموع الكفرة فيها، وشربهم ذلك لغلبة عطشهم بما أكلوا من الشجرة فإذا شربوا تقطعت أمعاؤهم.
وقرئ {لَشَوْبًا} بضم الشين وهو اسم لما يشاب به، وعلى الأول هو مصدر سمي به، وكلمة ثم قيل للتراخي الزماني وذلك أنه بعد أن يملؤا البطون من تلك الشجرة يعطشون ويؤخر سقيهم زمانًا ليزداد عطشهم فيزداد عذابهم.
واعترض بأنه يأباه عطف الشرب بالفاء في قوله تعالى: {فَمَالِئَونَ مِنْهَا البطون فشاربون عَلَيْهِ مِنَ الحميم} [الواقعة: 53، 54] فلابد من عدم توسط زمان. وأجيب بأنه يجوز أن يكون شرب الشراب الممزوج بالحميم متأخرًا بزمان عن ملئهم البطون دون شرب الحميم وحده، وكذا يجوز أن يكون الحال مختلفًا فتارة يتآخر الشرب مطلقًا زمانًا وأخرى لا يتأخر كذلك، وقال بعضهم: ملؤهم البطون أمر ممتد فباعتبار ابتدائه يعطف بثم وباعتبار انتهائه بالفاء.
وجوز كون ثم للتراخي الرتبي لأن شرابهم أشنع من مأكولهم بكثير، وعطف ملئهم البطون بالفاء لأنه يعقب ما قبله، ولا يحسن فيه اعتبار التفاوت الرتبي حسنه في شرب الشراب المشوب بالحميم مع الأكل.